قبل أكثر من عشر سنوات، وتحديداً في 2007، تم التقاط مقطع فيديو لحدث بارز في القرية، بعدها بأيام؛ أخذت فلاشتي في جيبي وتوجهت صوب منزل خالي، فهو من قام بالتصوير عبر هاتفه المميز آنذاك، فلم يكن بمقدور معظم الناس أن يقتنوا هاتفاً مثله بسبب سعره المرتفع، أما خصائص الهاتف فقد كانت “مذهلة” في عصره، وخاصة دقة الكاميرا وجودة تصوير الفيديو.
لقد كان هاتف Nokia n80
لازلت أحتفظ بذلك المقطع حتى اليوم، وحين أقوم بمشاهدته ألاحظ الفرق الكبير في الجودة والدقة بينه وبين أي مقطع آخر يتم تصويره بأي هاتف متواضع هذه الأيام، لكني أتذكر حينها أني كنت منبهر بجودة وحجم الفيديو، ولو سألني أحدهم آنذاك هل جودة الفيديو مرضية فلم أكن لأتررد لحظة بقول: نعم.
أتساءل الآن: هل ستكون جودة الفيديو الذي نقوم بتصويره هذه الأيام؛ مرضية بعد عشر سنوات؟
هنالك مشكلة أعاني منها فيما يخص اختيار الدقة الأنسب عند التقاط الصور والفيديو بهدف توثيق اللحظة وتسجيل الذكريات، فأنا أعرف أن تلك الصور والمقاطع ليست للآن، هي للمستقبل، من أجل أن نرجع إليها بعد سنوات طويلة ونتذكر تلك اللحظات الجميلة، وأنا لا أدري هل ستكون جودة الـ HD للفيديو مرضية في ذاك الزمان، أم أني سأتحسر حين أشاهد هذه المقاطع وأندم لعدم تصويري لها بدقة أفضل.
في المقابل؛ التصوير بالدقة العالية يكلف في المساحة التخزينية، فالمشكلة أن تلك الصور والفيديوهات هي من الملفات التي لا يمكن مسحها، تبقى معك سنة بعد أخرى، وكل سنة تزداد الحمولة أكثر فأكثر (إلا لو كنت تستخدم التخزين السحابي)، وتستمر في حمل هذا العبئ معك كلما انتقلت بين الحواسيب أو الأقراص الصلبة، فوسائط التخزين تلك كثيرة أعطالها، ناهيك عن عبئ النسخ الاحتياطي، والذي يحميك من غدر الزمان وأعطال “الباد سكتورز” المفاجئة.
دعونا نركز -في هذه المقالة- على مقاطع الفيديو، لأن الصور في نهاية المطاف يمكن تحمل عبئها، فالصورة لن يزيد حجمها عن 5 ميجابايت في أغلب الأحوال، أما الفيديو فهو المشكلة بعينها، قد تصور مقطع صغير من ثلاث أو أربع دقائق بدقة 4k فتتفاجأ بأن حجمه قد تجاوز الجيجابايت الواحاد، ومقطع بعد آخر حتى تتفاجأ بأن مساحة التخزين قد نفدت منك.
لكن، وفي البداية، ماهو الـ 4K فور كي ؟
هو رمز لدقة الفيديو، والدقة (Resolution) هي حجم مساحة سطح الفيديو عرضاً وارتفاعاً، فكلما زادت الدقة كلما ظهرت تفاصيل أكثر في الصورة، والدقة ليست مساحة الشاشات نفسها، فالمساحة بشكل عام تقاس بالبوصة والإنش، فمثلاً هنالك هواتف ذكية حجم شاشاتها 5 بوصة، أما الدقة فهي مقدار النقاط (البكسلات) التي يمكن لهذه الشاشة أن تستوعبها، فقد تجد هاتفين متساويين في حجم الشاشة، لكن دقة الأول أكبر من دقة الثاني، لذلك تجد الألوان فيها أسطع والتفاصيل أوضح.
أما فيما يخص التسمية، فإن 4K ببساطة ترمز لعدد البكسلات الإجمالية التي يحتويها كل فريم (صورة) في الفيديو، أي أن سطح الفيديو يتكون من 4 آلاف نقطة (بكسل)، كما يشار إليه ايضاً بالتسمية (Ultra High Difination) أو ببساطة (UHD)، ولكي تتصور الفرق بينه وبين بقية الأنواع، فتأمل هذه الصورة (المصدر):
متى يصبح الـ 4K مفيداً
إن التصوير بدقة 4K يعطي ميزة للفيديو بإظهاره لتفاصيل أكثر، لن يكون الفرق كبيراً إلا عندما يعرض الفيديو في أجهزة التلفاز الكبيرة، طبعاً التي تدعم هذه الدقة، وخاصة عندما تكون أنت قريباً من التلفاز، فحينها ستتمكن من مشاهدة التفاصيل الدقيقة، وأيضاً تتمكن من تمييز الأجسام البعيدة داخل الفيديو.
أما عندما تشاهد عبر تلفاز صغير نسبياً، أو تشاهد الفيديو عبر الهاتف حتى لو كان يدعم هذا النوع من الدقة، فلن تلاحظ الفرق، وكذلك عندما تشاهد التلفاز الكبير لكن من بعيد، حينها ستستوي لديك دقة الـ 4k مع الـ 2k.
رغم أن اليوتيوب قد فتح المجال لرفع المقاطع بدقة الـ 4k منذ سنوات عديدة، إلا أن نشر المقاطع بتلك الدقة ليس ذو أهمية كبيرة، فقط يضيف عبئ كبير على صانع المحتوى، فليست المساحة فقط هي المشكلة، لكن حتى التعامل مع تلك الفيديوهات أثناء المونتاج يتطلب وقت أكبر ويحتاج لأجهزة حواسيب أعلى في المواصفات، وعند رفع الفيديو إلى الانترنت، ستطول المدة، وستنفد الباقة، فلماذا يقوم الشخص برفع مثل تلك المقاطع ولن يستفيد منها إلا نسبة بسيطة من المشاهدين ممن يفتحون اليوتيوب عبر أجهزة التلفاز الكبيرة.
أما من جهة المستخدم، ففي الغالب لا يقوم أكثر الناس بتحويل الدقة إلى الـ 4K ، والسبب ببساطة أنه يريد المحافظة على حزمة البيانات (الباندوث)، ولأن الفرق -كما ذكرنا سابقاً- غير ملاحظ.
مؤخراً قام أحد اليوتيوبرز بنشر فيديو يختبر فيه الفرق بين جودة الـ HD و الـ 4K، قام بتصوير مقطع قصير بثلاث جودات مختلفة، وسأل المشاهدين هل يمكنهم معرفة الفرق وتمييز كل جودة عن الأخرى عبر المشاهدة، والمفاجأة أنه كان من الصعب التفريق بينها، لقد كانت كلها متشابهة حد التطابق.
الميزة الأهم للـ 4K فور كي
من وجهة نظري ونظر الكثيرين؛ أن الميزة الوحيدة للتصوير بهذه الدقة (على الأقل في عصرنا الحالي) هي في إمكانية التقريب أثناء المونتاج، فهذا يغني عن استخدام الزوم (Zoom)، ومن أجل الاستفادة من ذلك؛ سيتطلب منك الأمر أن تقوم بالعمل على الفيديو وإخراجه بدقة أقل من الـ 4K، بحيث يصبح لديك الإمكانية -أثناء المونتاج- بعمل زوم على أي عنصر (أو على وجه المتحدث) وذلك لأن سطح الفيديو الأصلي أوسع من سطح مساحة العمل.
الكلام سيكون واضحاً إن كنت تعمل في إنتاج مقاطع الفيديو أو تمتلك قناة يوتيوب، فأنت حين تقوم بفتح مشروع جديد في برنامج مونتاج مثل أدوب بريمير أو غيره؛ تقوم في البداية بتحديد تفاصيل المشروع، ومنها دقة الفيديو، مثلاً إن كنت قد قمت بالتصوير بدقة 720 فلا يمكن أن تحدد الدقة في المشروع بـ 1080 وإلا ستضطر لتكبير الفيديو وبالتالي تضييع جودته، لكن يمكنك فعل العكس، فإن كنت قد صورت بدقة 1080 فيمكن أن تحدد مساحة العمل بـ 720، وحينها ستكون مساحة الفيديوهات الأصلي أكبر من مساحة الفيديو النهائي، وحين تريد تكبير الشاشة في أي مرحلة من مراحل الفيديو، يمكنك فقط إعادة المساحة إلى وضعها الطبيعي وسيبدو الأمر للمتفرج وكأنك قمت بعمل زوم بالكاميرا نفسها.
وبالمثل يمكن تطبيق الأمر على الـ 4k، والذي سيوفر لك إمكانية التقريب (زووم) بمعدل جيد.
في الوقت الحاضر، أنا لا أستخدم حتى دقة 1080 عند تصوير المقاطع الشخصية والتي أنوي الاحتفاظ بها لنفسي، بل أستخدم 720، فأنا أراها كافية، وخاصة أني أعاني من مشكلة في وسائط التخزين، لكن قد أنتقل قريباً لدقة 1080p، فأنا لا أريد أن أندم عندما أشاهد تلك المقاطع بعد 10 سنوات من الآن.