حرب الكويكبات: خطة الأرض للدفاع ضد الأجسام الفضائية
إن كنتم تظنون أن أيام اصطدام الكويكبات بكوكبنا قد ولت، وأنه كان مجرد حظ عاثر الذي أباد الديناصورات من قِبَل كويكب تائه، فأنا آسفة كل الأسف مقدمًا عن احتمالية قتلي للسيناريوهات الوردية في أذهانكم عن خروج الأرض من قائمة استهداف الكويكبات والنيازك.
ولكن قبل أن يصيبكم الذعر، وتبدأوا بالنحيب أثناء مشاهدة فيلم «seeking a friend for the end of the world»، والبحث عن صديقٍ يقضي معكم آخر أيامكم على الأرض، دعوني أستطرد قليلاً وأشرح لكم تاريخ الكويكبات والنيازك من وسط ونهاية مجموعتنا الشمسية، وحتى سقوطهم على الأرض، وإن كان من الممكن تفادي خطرهم أم لا.
الكويكبات والنيازك: ما مدى الخطورة حقًا؟
بادئ ذي بدء، دعونا نتوسع قليلاً ونتعرف على تصنيف أعم من تصنيفات الأجسام الفضائية، وهو ما يسمى بـ «الأجسام الفضائية القريبة من الأرض – Near Earth Objects NEOs»؛ وهي أي جسم في الفضاء له مسار مداري يبعُد عن الأرض بحوالي 50 مليون كيلومتر. في العادة، معظم «الأجسام الفضائية القريبة من الأرض – NEOs» الصغيرة نسبيًا تتفكك أثناء الاصطدام بالغلاف الجوي لكوكب الأرض، ولا تشكل أي خطر، ولكن يبدأ هذا الجسم بإثارة القلق والتحول إلى «جسم ذي خطر محتَمَل – Potential Hazerdous Object PHO» عندما تكون أبعاده في حدود 140 مترًا، وينخفض مساره لحوالي 7 ملايين كيلومتر ونصف عن سطح الأرض.
تقع «الكويكبات – Asteroids» و«النيازك – Comets» تحت تصنيف هذه الأجسام الفضائية القريبة من الأرض أيضًا، لكن الموطن الأصلي للكويكبات والنيازك أقرب مما تتصورون. فالكويكبات تأتي من حزام الكويكبات بين كوكبي المشتري والمريخ، بينما تأتي النيازك من حزامٍ مشابه ولكن من الكتل الثلجية يقع وراء مدار كوكب نبتون. تقوم بعض هذه الكويكبات والنيازك بالسباحة في الفضاء جراء التصادم العشوائي بين بعضها البعض والتأثر بجاذبية الكواكب المحيطة حتى تجد طريقها إلى المسار المداري المنخفض للأرض، وسوف يُذهلكم كيف أن اصطدام هذه الكويكبات والنيازك بالأرض أمر روتيني، فلقد قدرت ناسا أن اصطدام وتفكك الكويكبات والنيازك بالغلاف الجوي للأرض يتم بمعدل نيزك أو كويكب صغير واحد كل يوم!
و لكن ماذا عن الكويكبات والنيازك الخطرة أو ما يسمى بالـ PHOs؟
حماية كوكبنا
من غير المعقول الاستعداد للخطر وقت أن يصل! فلا أحد يستعد للامتحان في يومه، هناك من يستعد للامتحان قبل ميعاده بأربعة وعشرين ساعة، آخرون يستعدون قبل موعده بأسبوع كامل. وهنالك طلاب العلم المُجِدون يستعدون للامتحان منذ دخولهم قلعة العلم. كذلك وكالات الفضاء العالمية مثل ناسا وإيسا وغيرهما، فهم يستعدون لامتحان اصطدام كويكب أو نيزك بالأرض قبل موعده بمائة عام! فبناءً على عمليات الرصد الفلكي الحالية، لا نعرف بأي جسم يمكن أن يشكل خطرًا على كوكب الأرض خلال المائة عام القادمة، وقائمة التصادمات المتوقعة تُجَدد باستمرار بناءً على عمليات الرصد الجديدة.
وقد تظنون أن لحماية الأرض، ستقوم وكالات الفضاء ببناء درعٍ عملاق يحيط بالأرض، ويقوم بتحطيم أي جسيم يحاول اختراق حدودها، لكن بالرغم من جاذبية الفكرة، إلا أنها بعيدة تمامًا عن الواقع، غير أن الواقع أكثر غرابة!
الواقع هو عبارة عن تمثيلية، فكل عامين يقوم مكتب التنسيق لحماية الكوكب Planetary Defence Coordination Office اختصارًا «PDCO» التابع لناسا بعَقد «مؤتمر حماية الكوكب – Planetary Defence Conference»، والذي تشارك فيه كل من ناسا وايسا ومؤسسات فضائية وعلمية أخرى.
في هذا المؤتمر يتم عرض سيناريو افتراضي عن اقتراب كويكب من الأرض واصطدامه بمدينة ما، وخلال المؤتمر الذي يستمر لأسبوع يقوم خبراء في مجال الكويكبات والنيازك بتحليل هذا السيناريو الافتراضي، وتقديم حلول مختلفة بناءً على التحديثات والمعلومات الجديدة التي يقدمها القائمون على المؤتمر. أُقيم المؤتمر هذا العام في التاسع والعشرين من أبريل وكان السيناريو المطروح كالآتي:
1. اكتُشِف كويكب في السادس والعشرين من مارس وأعطي الاسم PDC 2019.
2. لا نعرف الكثير عن هذا الكويكب، غير أن له لمعانًا 21.1 وقُدرت أبعاده بين 100 لـ 300 متر وبالتالي صُنف ككويكب ذي خطر محتمل «Potentially Hazardous Asteroid».
3. بعد يوم واحد من اكتشاف الكويكب، تمكنت كل من ناسا وايسا من الحصول على تقديراتٍ مبدئية لموعد اقتراب الكويكب من الأرض الذي سيكون في التاسع والعشرين من أبريل لعام 2027 باحتمالية تصادم تُقَدر بـ 1 في ال 50000.
بعد رصد ومتابعة الكويكب أكثر لمدة شهر، تم الحصول على معلومات أكثر دقة وبكل أسف، ازدادت احتمالية التصادم لـ 1 في ال100! تغريدة للحساب الرسمي لعمليات وكالة الفضاء الأوروبية توضح التحديثات الخاصة بالسيناريو الافتراضي.
الحلول المقترحة
أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم كما تعلمون، ولكن في معركة مع الكويكبات هي التصدي!
فلكي نحمي أرضنا من خطر كويكب احتمالية تصادمه 1 في الـ 100، علينا ببساطة أن نغير مسار دوران الأرض أو الكويكب حتى لا يتقابلا! و لكن نظرًا لاستجمام كوكب الأرض حيث هو وراحته في موقعه المناسب بالنسبة للشمس، وأيضًا لعدم مقدرتنا على تغيير مسار دورانه، اختار العلماء إرسال مركبات فضائية إلى الكويكب وتغيير مساره حتى لا يتقابل مع الأرض. تبدو كخطة جريئة، أليس كذلك؟
خبراء الكويكبات في مؤتمر حماية الكوكب اقترحوا خيارين يمكن استخدامهما لتنفيذ هذه الخطة؛ أولهما هو ما يسمى بالتصادم الحركي Kinetic Impactor، وهي عملية إرسال مركبة فضائية ضخمة للاصطدام بالكويكب، ونتيجة الاصطدام تنشأ طاقة حركة تؤدي إلى تغيير طفيف في مساره مما يؤدي بدوره في النهاية إلى انحراف الكويكب عن مسار دوران الأرض.
الخيار الثاني والأقل احتكاكًا هو المتفجرات النووية، حيث يتم إرسال مركبة فضائية لترمي قذيفة نووية على بُعد بضع مئات الأمتار من الكويكب المستهدف لتقوم الإشعاعات النووية بحرق وتسخين مواد الطبقة الخارجية للكويكب، وبالتبعية انطلاقها بسرعات عالية نحو الفضاء. يولد هذا الحدث طاقة حركة تنشأ نتيجةً لها طاقة حركة عكسية تقوم بتغيير مسار حركة الكويكب.
في نهاية المؤتمر اتفق الخبراء على ترتيب خطوات التنفيذ؛ في البداية يتم بناء مركبتين فضائيتين وإطلاقهما إلى الكويكب الافتراضي PDC 2019 في غضون ستة أشهر للاستكشاف والتعرف أكثر على طبيعته، ثم بناء ست مهمات فضائية هدفها إبطاء وتغيير مسار الكويكب.
هناك تكنيك آخر تم الحديث عنه سابقًا من قِبَلِ ناسا ولكن لم يقترحه خبراء المؤتمر في الغالب لطول المدة التي يتطلبها، هذا التكنيك يبدو مملاً بعض الشيء، إذ إنه لا يستخدم التصادم بين أجسام فضائية وأخرى أرضية أو إلقاء القنابل النووية المدمرة على الكويكبات. هذا التكنيك يستلزم فقط تواجد المركبة الفضائية بجوار الكويكب! يَستخدم تكنيك Gravity Tractor أو (جرار الجاذبية) قوة الجذب المتواجدة بين المركبة الفضائية والكويكب لكي يجبر الكويكب على الانحراف عن مساره الأصلي. وكما توقعتم، يحتاج هذا التكنيك بالفعل إلى أعوام عديدة أو حتى عقود لكي يُحدِث تغييرًا ملحوظًا في حركة الكويكب.
خطوات أخرى
ليس مؤتمر حماية الكوكب هو الخطوة الوحيدة نحو إرساء قواعد حماية الأرض من خطر الأجسام الفضائية القريبة من الأرض NEOs، فهناك جانب تكنولوجي وعلمي ضخم فقط لهذا الغرض!
على سبيل المثال لا الحصر، هنالك HERA؛ هذه المهمة الفضائية الجديدة التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ايسا سوف تكون أول مهمة فضائية تزور كويكب ذي نظام ثنائي ومُقَدر لها الانطلاق في 2023. النظام الثنائي المستهدف هو ديديموس Didymose الذي يتكون من كويكب قطره 780 مترًا ويدور حوله قمر قطره 160 مترًا.
الجدير بالذكر أن HERA هي مهمة فضائية تحت تعاون مشترك بين ناسا وايسا، إذ إن مسؤولية ناسا هي أن تقوم بعملية التصادم الحركي Kinetic Impactor على الجسم الأصغر في محاولة لتغيير مسار دورانه قليلاً حول الكويكب الأكبر، لتتبعها HERA بالقيام بعدة دراسات علمية تساعدنا على فهم توابع عملية التصادم الحركي في حال اضطررنا إليها في المستقبل لحماية الكوكب.
الرصد: سلاحنا الأول ضد الكويكبات والنيازك
إن لم نستطع رصد مسار دوران الكويكبات أو النيازك الخطرة، فلن يكون هناك داعٍ للدفاع عن الأرض! لأن حينها سيأخذنا الكويكب أو النيزك على حين غرة حارقًا ومدمرًا ما يهوى، لذلك كانت الحاجة لتطوير أول أداة نستخدمها في الحرب ضد الأجسام الفضائية الخطرة Potential Hazerdous Objects PHOs ألا وهي التلسكوبات.
نظرًا لأن التلسكوبات الحالية تبحث عن الأجسام الفضائية القريبة من الأرض Near Earth Objects NEOs في حيز ضيق من السماء، تقوم ايسا بتطوير تلسكوب جديد له حيز رصد واسع وكاميرات تحاكي عين الذبابة، لذلك سمي بالـ Flyeye أو عين الذبابة.
تلسكوب عين الذبابة سيكون الأول ضمن سلسلة من ثلاثة تلسكوبات أخرى من نفس النوع ومعًا ستكون قادرة على الرصد في السماء كلها.
و الآن أعزائي، أتمنى أن يكون هذا المقال قد أعطاكم وجهة نظر سليمة عن موقف كوكب الأرض من الاصطدام بالأجسام الفضائية، وأن يكون قد أراح أصحاب العقول الأرقة منكم أن أطفالكم وأحفادكم لن يواجهوا هذا الخطر في المائة عام القادمة على الأقل، وإن واجهوه لا سمح الله فوكالات الفضاء العالمية ستهب للإنقاذ.