دليلك لاستكشاف سماء ليل الوطن العربي — يوليو/تموز 2019
ذراع مجرة درب التبانة ( مصدر الصورة : Tom Davidson / CC BY-NC 2.0 )
يحتر العالم يومًا بعد يوم، لدرجة أن السنوت العشر الأكثر حرارة في تاريخ القياس كانت ضمن السنوات العشرين الفائتة! ومع كل ذلك القيظ والغضب، ما زالت السماء قادرة على إعطائنا بعض الهدوء، ليلًا في يوليو يمكن لك أن تهرب إليها قليلًا، حتمًا ستجد العديد من الروائع اللافتة للنظر، ومن لا يحب العقرب!
أهم الأحداث
2 يوليو
* في تمام الساعة 21: 16 بتوقيت مصر، يقف القمر إلى جوار الشمس في مشهد تحسبه البرامج الفلكية ولا تراه العيون، الآن هي لحظة ميلاد الشهر القمري الجديد
* كسوف كلّي رائع يراه الأصدقاء في الأرجنتين وشيلي كاملًا، لا تفوتوا تلك التجربة البديعة، لا بد وأن نشرات الأخبار تتحدث عن الأمر الآن.
3 يوليو
في تمام الساعة 08:53 بتوقيت مصر، القمر في العقدة الصاعدة، يعني ذلك أنه يقف الآن في نفس المستوى الذي يجمع الأرض والشمس معًا.
4 يوليو
في مشهد بديع بعيد الغروب، يلتقي كل من المريخ وعطارد مع هلال شهر ذي القعدة الجديد، ابحث عنهم تجاه الغرب بعد غروب الشمس مباشرة.
5 يوليو
في تمام الساعة 01:00 صباحًا، الأرض في الأوج، إنها أبعد نقطة لها عن الشمس، هل تلاحظ ذلك؟ هنا في النصف الشمالي للكرة الأرضية نحن في الصيف بينما الشمس أبعد ما تكون عنّا، ذلك لأن الصيف والشتاء يتعلقان من الأساس بميل الأرض ناحية الشمس وليس المسافة بينهما.
6 يوليو
القمر على مسافة 3 درجات فقط من قلب الأسد ألمع نجوم برج الأسد، يمكن لك كذلك استغلال انخفاض إضاءة القمر ومتابعة كامل جسم كوكبة الأسد.
9 يوليو
* كوكب زحل في التقابل Opposition، يعني ذلك أن الكوكب مضاء بالكامل بنور الشمس وتلك هي أفضل فرصة لرصده.
* القمر يقف بين السماكين، الأعزل Spica والرامح Arcturus، والسماك لا علاقة لها بالسَمَك وإنما تعني الارتفاع، لأنهما يكونان بالأعلى فوقك تمامًا في الصيف.
* في تمام الساعة 11:55 بتوقيت مصر، القمر في التربيع الثاني، يعني ذلك أن جسم القمر يكون مضاء بنسبة 50%.
12 يوليو
القمر يبدأ رقصته بين الكواكب والنجوم، في 12 يوليو يقف إلى جوار مجموعة النجوم في مقدمة العقرب والتي تسمى بـ «منزلة الإكليل»، وهي ثلاثة نجوم لامعة.
13 يوليو
يقف القمر على مسافة قريبة جدًا من كوكب المشتري في واحد من أمتع اقترانات هذا العام، بالأسفل كذلك يمكن لك أن ترى نجمًا أحمر لامعًا، هذا هو قلب العقرب Antares، إذا كانت الشمس بحجم حبة عدس لكان قلب العقرب بحجم كرة سلة!
15 يوليو
يقف القمر إلى جوار جرم مائل للون الأصفر، هذا هو كوكب زحل، يظهر كنجم لأنه يعكس ضوء الشمس، لكن في تلسكوب صغير سيبدو واضحًا بحلقاته الرائعة.
16 يوليو
خسوف جزئي يُرى في كل الوطن العربي، يصل لذروته في الساعة 11:31 بتوقيت مصر، سنفرد له جزءًا رئيسيًا من تقرير السماء بعد قليل.
25 يوليو
في تمام الساعة 03:18، القمر يكون في التربيع الثاني، يشبه القمر شكل حرف D مقلوب، لكن بالنسبة للأصدقاء في جنوب العالم فإنهم يرونه على شكل حرف D عادي.
28 يوليو
فجرًا، السماء الشرقية، القمر يقف إلى جوار نجم الدبران Aldebaran، ألمع نجوم برج الثور، الدبران هو عملاق أحمر في مراحل عمره الأخيرة.
29 يوليو
القمر يقفز في قلب سداسي الشتاء الذي ظهر من جديد في الأفق، تراه في الأفق الشرقي قبيل شروق الشمس.
أوضاع الكواكب في يوليو 2019
حسنًا، دعنا الآن نهتم بالكواكب بشكل خاص، في يوليو تكون السيادة لا شك لكل من المشتري والسيد زحل، لكن بعض الكواكب الأخرى ممكنة الرصد أيضًا:
المشتري يشرق خلال يوليو حول الخامسة مساءً ويغرب حول الثالثة فجرًا، وبحلول نهاية يوليو يتقدم موعدي شروقه وغروبه حوالي ساعتين عن بداية الشهر.
زحل يشرق في بداية يوليو حول السابعة مساءً ويغرب حول الخامسة فجرًا وبحلول نهاية يوليو يتقدم الموعد ساعتين أيضًا.
المريخ يمكن أن يُرى طوال الشهر فقط لمدة حوالي ساعة بعيد غروب الشمس، وبحلول نهاية الشهر يغرب بعد الشمس بحوالي النصف ساعة، ويكون صعب الرصد.
الزهرة لا يمكن أن يُرى خلال يوليو، علمًا أنه يخرج للأفق قبيل شروق الشمس بدقائق، لكن صعب رصده لأنه يدخل في شفق الشمس.
عطارد يمكن أن يرى في الأسبوع الأول من يوليو بصعوبة، غربًا إلى جوار المريخ، بعد ذلك لن نتمكن من رؤيته إلا قبيل الشروق في أول أغسطس.
مشهد مميز لشهر يوليو
لابد ون خسوف القمر الجزئي في 16 يوليو هو أكثر مشهد مميز لهذا الشهر، فكرة الخسوف بسيطة، ضع مصباحًا كبيرًا في منتصف حجرتك وأغلق باقي الأضواء، الآن دُر بكرة تنس أرضي أمام هذا المصباح على مسافة مترين مثلا.
حينما تمر الكرة بينك وبين المصباح فإنها تمنع ضوء المصباح من المرور إليك، هذا هو الكسوف Solar Eclipse، أما حينما تعطي ظهرك للمصباح وتمر كرة التنس الأرضي في الظل الممتد أمامك، بسبب جسمك، فهذا هو الخسوف Lunar Eclipse، الآن ضع الشمس مكان المصباح، والأرض مكانك، وستكون كرة التنس الأرضي هي القمر.
لكن، ربما يتبادر سؤال آخر إلى ذهنك الآن، حيث: إذا كان الخسوف والكسوف هي أمور تحدث كلما مر القمر خلف الأرض أو أمامها، ونحن نعرف أن القمر يدور حول الأرض مرة كل شهر، لماذا – إذن – لا تحدث أي من تلك الظواهر كل شهر؟ سؤال جيّد.
يحدث ذلك لأن القمر لا يدور في المستوى نفسه الذي يضم الأرض والشمس معا، بل ينفصل بنحو ـ5 درجات للأعلى أو للأسفل، يشبه الأمر أن تُمسك بطائرة صغيرة تدور بها حول كرة قدم بمستوى مائل، فترتفع قليلا عن مستوى الدوران ثم لا تلبث أن تنخفض قليلا في أثناء دورتها حول الكرة.
هذا هو بالضبط ما يحدث أثناء دوران القمر حول الأرض، فهو يعلو قليلًا عن مستوى مداره ليبلغ أقصى ارتفاع ممكن، ثم بعد ذلك ينخفض مرة أخرى ليتقاطع مع مستوى الأرض والشمس في نقطة نسميها بالعقدة النازلة (Descending Node)، ثم يبلغ أقصى انخفاض له، ثم يرتفع من جديد ليقطع مستوى الأرض والشمس في نقطة نسميها بالعقدة الصاعدة (Ascending Node)، وهكذا يستمر القمر في الدوران حول الأرض صعودًا ونزولًا.
يحدث كل من الخسوف والكسوف، فقط، حينما يكون كل من القمر والشمس والأرض في الخط نفسه بحيث يختفي القمر وراء ظل الأرض بالكامل أو يكسف الشمس أمامها، وبالتالي سنتوقع أن يحدث ذلك فقط في الحالات التي يكون القمر أثناءها في العقدة الصاعدة أو النازلة.
وبما أن وجود القمر في العقدتين هو حالة لا تتكرر كثيرا، فإن الخسوف والكسوف هي ظواهر لا تتكرر كثيرًا كذلك، أضف لذلك أن ميل الأرض يضيف للأمر درجة أكبر من التنوع، لأن كلًا من الخسوف والكسوف قد يتواجدان في أماكن دون غيرها.
قد يكون القمر، أثناء مروره خلف الأرض، في المستوى نفسه أو أعلى قليلًا أو منخفضًا قليلًا، وبذلك يعطينا تلك التنويعات التي تراها في حالات الخسوف، فقد يكون الخسوف كاملًا (Total) (بحيث يمر القمر بالكامل في ظل الأرض)، أو جزئيًا (Partial) (يمر جزء من القمر في ظل الأرض)، أو خسوف شبه ظل (Penumbral) (يمر كل أو جزء من القمر في منطقة تسمى شبه ظل الأرض)، أو قد لا يحدث أي شيء ويمر القمر أعلى أو أسفل ظل الأرض بمسافة بعيدة (في تلك الحالة نرى القمر بدرًا كما نراه في العادة).
ما سنراه ليلة 16 يوليو سيكون خسوفًا جزئيًا، يبدأ الخسوف في تمام الساعة 20:43 بتوقيت مصر، لكننا لن نلاحظ شيء في البداية لأن دخول القمر في منطقة شبه الظل لا يظهر للعين المجردة، أما في الساعة 22:01 فإن القمر يبدأ في التآكل كرغيف يأخذ أحدهم منه قضمات متتالية، القمر دخل في ظل الأرض، يصل الخسوف لذروته في الساعة 23:30 سوف يميل لون القمر قليلًا للأحمر لكنه بالطبع لن يكون كالخسوف الكلي، يخرج القمر تمامًا من ظل الأرض بحلول الساعة 00:59، ويظل في منطقة شبه الظل حتّى 02:17.
يمكن أن ترى الخسوف في كل مكان، وأي مكان، بالوطن العربي، في كثير من الأحيان تنظم الجمعيات الفلكية رحلات وحفلات رصد للظواهر الممتعة كالخسوف القمري، لكن هذا لن يكون ضروريًا في حالة الخسوف، فكما نقول دائمًا كهواة فلك: أفضل مرصد ممكن هو سطح المنزل الخاص بك، خاصة حينما تتشارك تلك المتعة في التأمل مع من تحب، الزوجة، الأطفال، الأصدقاء والأحباء، متابعة ظواهر كتلك تحلو بالرفقة الطيبة والأحاديث اللطيفة.
سماء الليل لشهر يوليو
في يوليو تبدأ الخطة الرئيسية من منطقتين، الأولى هي المثلث الصيفي:
1. حدد نجوم المثلث الأساسية (النسر الواقع Vega والنسر الطائر Altair وذنب الدجاجة Deneb).
2. سيكون المثلث الصيفي أعلاك تمامًا بحلول العاشرة إلى الحادية عشر مساءً، يمكن كذلك استخدامه لاصطياد كوكبات كهرقل والتنين والسيد قيفاوس.
3. من المثلث الصيفي يمكن أن تقطع كامل السماء لتصل إلى العقرب والقوس.
المنطقة الثانية ستكون الدب الأكبر:
1. استخدم ذيل الدب الأكبر للوصول إلى كل من (السماك الرامح) من العواء ثم (السماء الأعزل) من العذراء.
2. يمكن الآن أن تستخدم كلًا من الدب الأكبر والمثلث الصيفي لرصد ما بينهما، تلك هي 11 كوكبة كاملة يمكن لمبتدئ من الصفر أن يمسك بها بسهولة.
أعماق السماء
هناك الكثير من المتعة التي تنتظرنا في شهر يوليو، بتلسكوب صغير يمكن لك رصد عدد من أجرام مسييه السهلة:
تعد تلك المجرة منطقة غنية بالانفجارات النجمية، 3 مستعرات عظمى خلال 17 سنة، آخرها كان SN 2011dh في 2011، ويرى الفلكيون أن رفيقتها القريبة للغاية التي تظهر معها في الصورة NGC5195 أو M51b هي السبب في ذلك النشاط بتأثيرها الجذبوي.دعنا الآن نتعرف على أحد أشهر وأروع المشاهد السماوية، التي يمكن التقاطها بتلسكوب متوسط إلى كبير في المسافة بين كوكبة السلوقيان Canes Venateci وذيل الدب الأكبر، يمكن ذلك خلال يوليو/تموز، إنها مجرة الدوّامة Whirlpool Galaxy، وهي مجرة حلزونية تقع فقط على بعد 30 مليون سنة ضوئية من الأرض، تسمى كذلك M51 وNGC5194 .
كما تلاحظ، فإن المجرة الرفيقة بدأت بالفعل في جذب إحدى الأذرع الحلزونية بالفعل، تسبب ذلك التأثر بين المجرتين في حث مجرة الدوّامة على تصنيع العديد من النجوم الجديدة بسبب المادة والحركة التي تقدمها رفيقتها، تلاحظ ذلك في هذا اللون الأحمر المشتعل في أذرع المجرة في صورة التلسكوب هابل الرائعة والمرفقة بالأسفل.
المجرتان تندمجان معًا ببطء شديد، ما يحدث هنا هو ما سوف يحدث لمجرة درب التبانة بعد حوالي 4.5 مليار سنة من الآن، فمجرة المرأة المسلسلة (أندروميدا) الجارة الأقرب لنا تتقدم إلينا، لكن الفارق أن اصطدام درب التبانة بأندروميدا سوف يحدث كحرف X بالإنجليزية، أقصد أنهما سوف تلتقيان بمستويات شبه متعامدة على بعضها، بينما مجرة الدوّامة، كما نرى، تلتقي رفيقتها بالمستوى نفسه.
حكايات النجوم
بالنسبة للأسطورة المصرية القديمة، كانت للشمس – المتمثلة في “رع” – كل يوم رحلتين، تركب خلال كل منهما واحدًا من مراكب الشمس، الأول يأخذها من الشروق إلى الغروب، كانت رحلة بسيطة عبر نهر صاف، تساعدها في أثناء تلك الرحلة ثلاثة مفاهيم، “المعرفة” و”السلطة” و”السحر”، لكن حينما تنزل الشمس تحت الأفق تكون الرحلة محفوفة بالمخاطر، عبر نهر رملي يحتاج لبذل الكثير من الجهد من أجل الحركة فيه، خاصة مع الظلام الدامس!
الآن، نعرف أن الشمس هي أقرب النجوم لنا، رغم ذلك لا نتمكن بعد من فهم كيفية عملها بشكل كامل، نعرف أنها نجم تسلسل رئيس متوسط العمر، تمثل فقط 7.5% من النجوم التي نراها، يعني ذلك أن واحدًا من كل ثلاثة عشر نجمًا تراها في السماء، هو كالشمس. نعرف كذلك أنها نجم أبيض اللون مائل للأصفر، لكن اللون الأصفر الواضح الذي نراه، أو الأحمر الخاص بالغروب والشروق، يحدث بسبب تأثيرات الغلاف الجوي على الضوء الصادر من الشمس ناحيتنا.