المساعد الشخصي «أمازون إيكو» ( مصدر الصورة : the verge )
شاع في كتب الخيال العلمي توقع المستقبل، والتنبؤ بما سيقدم العلم للبشرية مستقبلًا، وقد تحققت العديد من هذه النبوءات، وما زال البعض منها يشق طريقه للظهور. يُعد أكثر الخيالات شيوعًا في هذه النوعية من الأدب، هو التداخل المستمر للتكنولوجيا في الحياة اليومية للبشر.
في كتاب «نحو العالم في 2018 Towards the year 2018»، الصادر عام 1968، تحدث الكاتب عن التلفاز ثلاثي الأبعاد في ظهيرة يوم صيفي، يعرض أخبارًا عن «أحزمة مضادة للجاذبية» وهي عبارة عن إعصار من صنع الإنسان، أطلق كدفاع ضد قوات العدو، وعن «حاسوب المواطن الجيبي»، وعن حروب شتى ستخوضها الولايات المتحدة.
مجموعة المقالات في هذا الكتاب، والتي تحمل عدة نبوءات، قد تحقق بعضها هذا العام بالفعل. فهذا العام تحديدًا، تواصل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الاندماج شيئًا فشيئًا، لتذوب في الحياة اليومية، بداية من خدمة العملاء، إلى المساعدات الرقمية على هواتفنا الشخصية، مما جعله عامًا ذكيََا بشكل مميز.
وها نحن بصدد توديع 2018، يتلاشى تدريجيًا يومًا بعد يوم، ونمضي معه قدمًا نحو 2019، مما يجعله توقيتًا مثاليًا لإلقاء نظرة على أهم إنجازات الذكاء الاصطناعي وتطوراته التي دفعت الآلة للأمام. كان عام 2018 عامًا ملفتًا للذكاء الاصطناعي من نواح عديدة، ويبدو أن 2019 سيواصل المسيرة بخطى أسرع.
1. سيارة بلا سائق على الطريق
تتصدر قائمة الأخبار على مدار العام أخبار المركبات ذاتية القيادة. بدأت الأخبار في مطلع العام بالدعاوى القضائية بين Uber ووحدة المركبات ذاتية القيادة في غوغل حول حقوق الملكية الفكرية، ثم توصلت كلتا الشركتين إلى حل النزاعات بعد عدة شهور. لكن أنباء السيارات ذاتية القيادة تصدرت المشهد بطريقة أعنف.
اقرأ أيضًا: أحدث 5 تقنيات ذكية في عالم السيارات في عام 2018
ارتكبت سيارة Uber ذاتية القيادة حادثًا مميتًا، هو الأول في عنفه من قبل السيارات بلا سائق، مما أدى إلى تعليق Uber تطوير ما بدأته في وحدة السيارات ذاتية القيادة، كما قد قامت العديد من الشركات باللحاق بها وحذو حذوها في تعليق برامج تطوير تلك النوعية من المركبات.
قامت أوبر في نهاية 2018 بإعادة السيارات بلا سائق إلى الطريق مجددًا، لكن باستخدام الوضع اليدوي، غير واضح كيف أن استخدام الوضع اليدوي يجعل من السيارة «ذاتية القيادة»، لكن التقدم بخطوات وئيدة أفضل من السلبية وعدم إحراز أية تطورات. وقد أقرت أوبر في نهاية الأسبوع المنصرم أن سبب الحادثة كان ضعف قدرات الاستبصار لدى السيارة.
إذا أدرنا الكاميرا تجاه الملهم الأكبر لأوبر، شركة Waymo، التابعة لغوغل، قد أعلنت عن عزمها لإطلاق سياراتها ذاتية القيادة خلال شهور، وبالفعل قد أطلقت تاكسي ذاتي القيادة في بداية شهر ديسمبر 2018، كنسخة مبدئية على طرقات ولاية أريزونا.
قد لا تكون السيارات المُصنعة في 2018 تامة الذاتية، لكن النسخ الأولية واعدة، ويبدو أن 2019 ستحمل المزيد في طياتها لذلك المجال.
2. المساعدات الشخصية
لعبت المساعدات الذكية دورًا رائدًا في 2018، وكانت ممثلاً أساسيًا للذكاء الاصطناعي فيه. حصلت المساعدات الشخصية على دعم كبير من قبل Apple، وGoogle، وSamsung ،Amazon، وغيرها من الشركات الأخرى، فقد أطلقوا عددًا من الأجهزة، ذات تنوع كبير في الشكل والحجم والألوان والمميزات والقدرات.
قدمت أمازون زيادة في إمكانيات الفيديو، بينما تتنافس Apple و Google للحصول على جودة الصوت والميزات الأخرى التي تركز على سهولة تجربة المستخدم. لكن ما يعنينا هنا هو قدرات الذكاء لدى هذه المساعدات. أصدرت شركة البحوث Cognilytica مؤشرًا يدل على أن جميع هؤلاء المساعدين الصوتيين يفتقرون إلى الذكاء. وسرعان ما أعلنت أمازون عن ميزةتسمح لـ Alexa بالرجوع إلى المستخدم مع الأسئلة التي لم يتمكن من الإجابة عليها.
بطبيعة الحال، لدينا منافس لا يتوانى عن إظهار أفضل ما لديه، حيث شرعت غوغل في جعل الأشياء أكثر إثارة وإمتاعًا من خلال عرضها التفاعلي لـ Google Duplex. وتهدف الشركة إلى إظهار التطور المتسارع للتكنولوجيا المساعدة الذكية من خلال تعامل هذه التكنولوجيا مع تفاعل تمت محاكاته بشكل مسبق مع شخص حقيقي بشكل مباشر.
المشكلة هي أن الناس لا يحبون أن ينخدعوا؛ فهم لا يدرون هل يتحدثون إلى روبوت أو شخص حقيقي، مما يثير الريبة والسخط لديهم. على الرغم من المخاوف والقلاقل، أعلنت Google عن خطط لطرح Duplex إلى عدد محدود من المستخدمين بحلول نهاية عام 2018.
3. الذكاء الاصطناعي: لقد فزت باليانصيب
بقدر ما كان اهتمام الشركات مُنصبًا على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتقنياته المختلفة في السنوات المنصرمة، إلا أن الاهتمام قد تضاعف بشكل جنوني هذا العام ليبدو كأن الذكاء الاصطناعي ربح اليانصيب، مما جعله أحد أهم علامات العام.
في الولايات المتحدة، تم ضخ استثمارات هائلة في شركات ناشئة مثل Dataminr، وCylance، و Pony.ai، وAutomation Anywhere وغيرها، مما جعل هذه الشركات ما يعرف اقتصاديًا بالشركات أحادية القرن، ولذلك لتخطي رأسمالها للمليار دولار في فترة وجيزة، مما يجعل الأمر نادرًا وإعجازيًا مثل وحيد القرن الأسطوري.
ما يثير الدهشة حقًا، هو أن الصين تخطت الولايات المتحدة الأمريكية في الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي، مع شركات مثل SenseTime و Yitu و ByteDance وغيرها من الشركات التي تربح مليارات الدولارات، وأغلب هذه الاستثمارات من جهات حكومية، وربما كان هذا الاستثمار خطوات لتحقيق هدف الصين بالريادة في هذا المجال بحلول العام 2030. من الجلي أن الشركات والحكومات على حد سواء، ينظرون إلى الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي على أنه ذو فائدة إستراتيجية للمستقبل.
على الرغم من فوز الذكاء الاصطناعي بنصيب الأسد في الاستثمارات في عام 2018، إلا أن الأمر لم يكلل بالنجاح للجميع خلال هذا العام. سجل عام 2018 العديد من الإخفاقات لشركات الروبوتيات مثل Rethink Robotics، لعدم توفر رأس المال الكافي، مما أدى إلى إغلاقها. كذلك الحال مع شركات مثل Mayfield Robotics و Jibo، اللتين أنهتا عملهما في المجال بسبب ضعف العرض والطلب.
4. حل إستراتيجي للحكومات
كان 2018 العام الذي تجلى فيه الذكاء الاصطناعي كأحد الأبواب التي ستستثمر فيها الحكومات بشكل مكثف. لم تكن الصين وحدها من تسعى لتكون من الرواد في الذكاء الاصطناعي؛ فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستضاعف حجم استثمارها في الذكاء الاصطناعي وتقنياته بمقدار 2 مليار دولار بالتعاون مع البنتاجون.
لم ينحصر الأمر في الخصمين اللدودين؛ فقد أعلن إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، عن نية الدولة للاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعي للخمس سنوات القادمة. كما أعلنت ألمانيا عن عزمها لإنشاء وادي سيبراني، حيث يتجمع فيه باحثو الذكاء الاصطناعي والمستثمرون فيه عبر الدولة. وبالمثل أعلنت كل من الإمارات وكوريا الجنوبية عن تبينها بتطوير إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي.
ماذا تحمل لنا 2019؟
ستشهد 2019 ظهور معالجات خاصة بالذكاء الاصطناعي؛ فحتى أسرع أجهزة الكمبيوتر لن تكون سريعة بما فيه الكفاية لمواكبة الحسابات المعقدة، لذا تشير المؤشرات الأولية إلى أن 2019 ستكون علامة فارقة للتطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
كما سيلتحم إنترنت الأشياء مع الذكاء الاصطناعي، ممثلًا الحالة الأمثل لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصناعة، لما سيقوم به من الكشف عن الأسباب، وتحليل السبب الجذري للأعطال، والصيانة التنبؤية للمعدات.
ولأن عدم إمكانية التشغيل المتكامل بين مجموعة أدوات الشبكة العصبونية الرقمية يعيق تبني الذكاء الاصطناعي. ولمواجهة هذا التحدي، تعاون كل من AWS و Facebook و Microsoft في إنشاء Open Neural Network Exchange (ONNX)، مما يتيح إعادة استخدام نماذج الشبكات العصبونية المطورة بشكل أكثر تكاملاً. في عام 2019 ، سوف تصبح ONNX تكنولوجيا أساسية لهذه الصناعة.
سنشهد أيضًا صدارة تعلم الآلة الآلي (Auto Machine learning)، فهناك اتجاه واحد سيغير وجه الحلول القائمة على تعلم الآلة بشكل أساسي هو AutoML. وسيساعد محللو الأعمال والمطورون على تطوير نماذج التعلم الآلي التي يمكنها معالجة السيناريوهات المعقدة دون المرور بعملية نموذجية للتدريب على نماذج تعلم الآلة المعتادة.
تشير شتى المؤشرات إلى أنه سيكون عامًا حافلاً ودسمًا للذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتكنولوجيات المعرفية، وستكون من المحركات للصناعة بشكل أساسي بدءًا منه.